أحداث جانفي 1952 بنابل
وفي سرد أحداث يوم 21 جانفي 1952 بنابل أجمع الرواة على الملامح التالية : بدأ الإعداد للمظاهرة منذ 18 جانفي بالاجتماع في المساجد والعمل على تنظيم مظاهرة نسائية على حين حل الجيش الفرنسي بالمدينة. وتم التجمع يوم 21 جانفي بعد الزوال بالجامع الكبير فألقيت الخطب ومنها كلمات على غلاب ومحمد القديدي والهاشمي الجعايبي وآسيا غلاب بوعوينة وفاطمة البشالي. وعلى الإثر انطلق الموكب يتقدمه الوفد النسائي نحو “إدارة العمل” أي مقر القايد (دار الباي أمام مقر البلدية). قابل الوفد بقيادة آسيا غلاب بوعوينة القايد وقدم له لائحة احتجاج فحذرهن القايد من خطورة التوجه إلى شارع فرنسا نظرا إلى استعداد القوات الاستعمارية للإطلاق النار. ولما تقدمت المظاهرة في هذا الشارع متكونة من الجموع النسائية وعلى جانبيها الرجال كانت قوات الجيش مرابطة بساحة فرنسا مما يمنع المرور. وارتفعت الأصوات بالشعارات الوطنية التحريرية وتواصل التقدم فألقيت القنابل المسيلة للدموع على المظاهرة ثم تدخلت قوات الشرطة بإطلاق النار. عندها تفرّق الجمع وسقط الشهداء والجرحى ، وانطلقت الاعتقالات.
والملاحظ أن الشهداء ينتمون إلى الفئات الشعبية من صغار الحرفيين والمتاجرين ويقطنون في أحياء شعبية قريبة من ساحة الأحداث. كما أنهم لا ينتمون إلى إطارات الهياكل الوطنية المحلية. أما قائمة الجرحى فرغم ارتفاع عددهم لم يسجل التحقيق الشفوي سوى بعض الأسماء وتبقى مفتوحة تستوجب الاستكمال.
وجميع هؤلاء الجرحى ينتمون إلى نفس الفئات والأحياء الشعبية وتواجد الفخاخرية كان قرب حي الأفران (الجرايب) بين باب الخوخة والقلتة) أو ربط الجرابة). والملاتحظ أن الجروح كانت غالبا في مستوى الأرجل ومست الرجال، ذلك أن إطلاق النار استهدف فعلا جانبي الطريق في اتجاه الرجال متجنبا صدر المظاهرة الذي تجمعت فيه النساء. كما كان إطلاق النار على مستوى منخفض في حين كانت الرصاصات القاتلة عن علوّ مقصود. وتجنب عدد من الجرحى التردد على المستشفى تجنبا لما قد ينجر من تتبعات في نطاق قضية الأحداث. وقد ورد في تقرير حاكم التحقيق العسكري لدى المحكمة العسكرية الدائمة بتونس بإمضاء النقيب “نيو” (Niaux) بتاريخ 19 نوفمبر 1953 إن محمد الطرابلسي المعروف باسم “باربو” والمولود سنة 1929 بطرابلس اعتدى صباح يوم 21 جانفي 1952 على عون أمن محاولا افتكاك رشاشته كما ورد أن المظاهرة على الساعة الرابعة بعد الزوال جمعت حوالي 3000 شخص.
ونتبيّن من الأحداث هذه ومصادرها الوثائقية، إن مظاهرة 21 جانفي 1952 بنابل كانت في طبيعتها مظاهرة نسائية وطنية قامت بالإعداد لها وبتنظيمها الهياكل الوطنية بالمكان بقيادة الجامعية والشعبة الدستورية (الديوان السياسي). وقد اختارت هذه القيادة الحزبية أن تكون المظاهرة نسائية فنظمتها ولم تتصدّر موكبها تبعا لذلك وآلت الصدارة إلى الإطارات النسائية بعد أن غادر الأعضاء من مكتب الشعبة الدستورية (الديوان السياسي) المظاهرة منذ انطلاقها عند خروجها من ساحة الجامع الكبير.
يحيى الغول “من كتاب الوطن القبلي الماضي والحاضر بحوث ودراسات”