ليس الخصب والجمال والشواطئ الشاسعة والطقس المعتدل هي مميزات الوطن القبلي وحدها، إنما يبدو الرّأس الطيب وكأنه متحف بيئي متوسّطي.
على مرتفعاته وسهوله و شواطئه تتالى المكونات البيئية كالبساتين والحقول والغابات والوديان و السباخ ، كلها تتناغم في تركيبة نسجتها الطبيعة وربّما استغلّها الاقتصاد على حساب البيئة، لكنّ المشهد الطبيعي بقي يشكل لوحة بيئية متناظرة فالأرض والبحر والنبات والريح والأودية التقت لرسم جداريه كالفسيفساء تعكس المشهد البيئي بمنطقتنا، بيئة استغلّها الإنسان لكنّه أثر فيها واستغلّ خيراتها لكن دقة عمل البرامج البيئية الموجهة للمحافظة على التوازن البيئي وقفت أمام زحف النشاط الاقتصادي على المشهد الطبيعي. تناغم الشّاء والنّماء خلق تفاعل بيئي صمد أمام جشع الإنسان في استغلال الطبيعة.
حتى وإن كانت حركة التمدّن والتعمير وتطوّر المعمار استجابة لمتطلبات اقتصادية فقد بقي المشهد الطبيعي والبيئي في الوطن القبلي متماسكا ومتناغما منذ العصور القديمة كما تشهد به وعليه البحوث الأثرية والدّراسات الجغرافية وقد تضافرت جهود البرامج الوطنية و الأوروبية والمتوسطية للمحافظة على البيئة والطبيعة مع اليقظة البيئية من خلال المؤسسات الوطنية وحماس الجمعيات البيئية التي تصدت عمليا وعلميا وعلى مستوى البحوث والبرامج حتى بقى الوطن القبلي منطقة تحافظ على توازنها البيئي وتناغم مشهدها الجغرافي.
فالمدّ البيئي والتنوّع الجغرافي وتعدّد أنماط التضاريس ثم كيفية استغلال التربة كلّها حوّلت الوطن القبلي إلى نمط المتحف البيئي للمتوسّط.
يتكوّن المشهد وكأنّه لوحة تشكيلية من عدّة مفردات : سواحل صخرية وسهول تمّت غراستها بعشق ومساحات شجّرت علميا وكثبان ثم أحواض تجميع المياه مع الجبال والشواطئ الرملية حتى الهضاب الصخريّة البركانية التي حوت قبور الشعوب الغابرة، إلى جانب السّباخ والسّدود ومحط إعشاش الطيور، كلّ هذا يجعل من الرّأس الطيب أنموذج التناغم البيئي والجغرافي والطبيعي لحوض البحر الأبيض المتوسّط.
يتخلّل المشهد غابات من الأشجار الفوّاحة التي تخلق ملاذا للحيوانات المهدّدة بالانقراض والتي تجد عناية كبرى في تربيتها وحمايتها من طرف الجهات المختصة الوطنية والعالمية. هضاب ومنخفضات ، أودية ، وسهول، جبال وحقول، كلّها تتناغم لرسم مشهد خلاّب يتخلّله بياض القرى والمدن عاكسة نور معمارها عبر زرابي الخضرة.
النماء متعدّد من عشب وخضر وأشجار مثمرة تراوح زرقة البحر بجماله وخيراته. وتتخلل ريف الوطن القبلي تجاعيد الأنهار والوديان تعترضها من حين إلى آخر سدود تؤمّن منذ العهود القديمة حاجة الإنسان للماء في حياته اليومية من فلاحة وتربية ماشية كما يبدو ذلك في معلم عين طبرنق الأثري.
ويزدان هذا المشهد الطبيعي الجميل بمدن أثرية ومعالم متعدّدة تشهد على تمسّك الإنسان بالمنطقة عبر العصور وتتتالى مختلف الحضارات وعلى مرمى حجر تتربّع جزر الجمور الكبرى والصّغرى وكأنّها لبؤة تحرس هذا الرأس الطيب.
تتالى على ضفاف الوطن القبلي سلسلة من السباخ العجيبة والمدهشة التي كانت تعتبر حتى وقت قريب تهديدا للبحر وللفلاحة بيد أن يقظة الوعي البيئي جعل منها معلما بيئيا تهتمّ به المنظمات الوطنية والدولية حتى أصبح من خلال ثماني عشر سبخة معلما بيئيا عالميا إذ هو من أهمّ محطات مختلف الطيور المهاجرة على ضفاف المتوسط ونقطة الوصل بين إفريقيا وأوروبا لمختلف أرهاط تلك الطيور.
تعتبر البيزرة والصّيد بالسّاف من أنبل أنواع الرّياضة عند العرب وقد انفرد الرّاس الطيب بممارسة هذه الرّياضة النبيلة. وإذا كانت رياضة البيزره مقتصرة على الأثرياء في الخليج العربي فإنها تمارس في شمال الوطن القبلي كرياضة شعبيّة يتعاطاها عشاق الصـّيد بالباز والسّاف ويتوارثها الأحفاد عن الآباء والأجداد.
وتشتدّ حمّى البيزره في منطقة الهوارية بأقصى شمال الوطن القبلي في شهر مارس وتنتهي موفى شهر جوان .
ينقسم موسم البيزره إلى فترتين: الأولى تتمثـّل في صيد الطـّيور الكاسرة والمهاجرة التي تستقرّ لفترة في أعالي الجبال المجاورة لمدينة الهوارية وتغطي الأشجار في شهري ماي وجوان حيث تبيض وتفرخ.
وصيّادو هذا النـّوع من البيزره تعلـّموا هذا الفن منذ نعومة أظافرهم وحذقوا صيد الطـّيور الكاسرة واستعمالها لصيد العصافير البريّة في صيد مزدوج ولا غرابة في أن تكون مدينة الهوارية مقرا لأهمّ جمعيّة للمحافظة على الطـّيور في تونس.
في شهر مارس تحطّ الطـّيور الكاسرة بين قمم الجبال وتختفي تحت الأشجار في المغاور والصّخور: تبيض وتفرّخ، هناك على الجبال المطلـّة على أقرب نقطة من أوروبا وهي جزيرة صقليّة المحطّة الأخيرة في شمال المتوسّط قبل انتقالها إلى القارّة الإفريقيّة متـّجهة نحو الجنوب وصولا إلى كينيا حسب تحوّلات الطـّقس.
وعند استراحتها تقطن تلك الطّيور أعالي جبال “سيدي الأبيض” وهي نوعان: “الباز” و”الصّقر” ويختصّ كلّ واحد منها في نوع من أنواع الصيد. إمّا الهجوم السّريع على الفريسة أو المطاردة. ويتمتّع الإثنان بعيون نافذة وحادّة قادرة على رؤية الضـّحية من بعيد حتّى أن أحد أحبّاء البيزرة قال بأن الباز والصّقر قادران على قراءة أعمدة الجريدة على بعد 200 مترا.
كما يتمتـّع كلاهما بسرعة في الهجوم تصل إلى حدّ 300 كلم في الساعة وهي أسرع الطيور تحليقا.
ويشرع الصّيادون في صيد الباز والصّقر بداية الرّبيع وتحديدا ابتداءا من يوم 20 مارس وهو تاريخ افتتاح موسم صيد الطّيور الكاسرة وذلك بين الجبال المحيطة بمدينة الهوّارية عاصمة السّاف والباز والصّقور والبيزره.
ويستعمل الصيّادون شباكا خاصّة للصّيد التي يفرشونها عبر الحشائش والأعشاب خاصة منسوجة من خيوط في لون الغابة تحطّ عليها الطيور دون أن تكتشفها فتسقط في تلك الشباك. وقد تستعمل شباك عموديّة تثبت على مربّعات خشبيّة تسحب بسرعة عندما تحطّ الطيور لافتراس عصافير ثبّتت تحت الشـّباك كنوع من “الطـّعم”.
ويمكث الصيّادون طوال الليل لبيع الطيّور الكاسرة بالمزاد العلني على ضوء المصابيح وهي عادة يتشبّث بها محبّو البيزرة، وتسجّل تلك الطيور في سجلاّت لأن القانون يفرض إطلاق سراحها بعد اختتام موسم الصّيد بالسّاف.
ويروّض الباز أو السّاف حتـّى يتعوّد على صاحبه ويتدرب على صيد أنواع خاصة من العصافير فترى الصيّادين مدّة الترويض مصطحبين طيورهم وهي راسية على رؤوسهم أو أكتافهم.
وما إن تكتمل فترة التـّرويض التي تمتدّ ثلاثة أو أربعة أسابيع، تهجم على المنطقة جحافل العصافير البريّة من ساف وباز معلنة انطلاق فتنقض على شتى أنواع العصافير لصيد السمّان والزرزور بشراسة.
ويختتم الموسم بمهرجان السّاف الذي ينظم في آخر شهر جوان ويؤمّه محبّو البيزره، وتنظـّم فيه مسابقات يقدّم فيها الصيادون مهاراتهم في الصّيد واستنباط طرق جديدة في الترويض وكيفية ملاحقة الطيور الكاسرة للعصافير.
حالما ينتهي موسم الصّيد وتهاجر العصافير يقع إطلاق سراح الطيور حسب السجلات حماية لها وحفاظا على التـّوازن الطبيعي ويمكن أن يحتفظ بالبعض منها بعد ترخيص مسبق قصد تعليم الصيادين الجدد.
ويشعر البيازرة المنضوون في الجمعيّات والنّواد في الاحتفال بإطلاق سراح الطيور بالحسرة وحرقة الفراق وعزاؤهم الوحيد قدوم الموسم المقبل لتعاطي هذه الرّياضة النـّبيلة التي لا تمارس إلاّ في هذه المنطقة من البلاد.
عملية الصيد بالسّاف
بعد أن يتمّ ترويض الطيور الكاسرة كالسّاف والباز والصّقر يحمل الصيّاد طيره على كتفه أو ذراعه المغطّى بقفـّاز جلدي ويجوب الغابات باحثا عن العصافير المختفية بين الأعشاب.
وعندما تطير العصافير يطلق الصيـّاد الطير الكاسر الذي ينطلق كالسّهم في سرعة خارقة ويفتح جناحيه منقضّا على العصفور في ضراوة ودقّة مجهزا عليه بضربة منقار ثمّ يختطفه بين مخالبه ويلقي على الأرض على بعد بعض الأمتار ليتسلّم الصيّاد الضحيـّة ثمّ يشير على الكاسر بأن يحطّ على ذراعة ثم تتكرّر هذه العمليّة وبعد أربع أو خمس عصافير يقدّم الصيّاد جزءا من لحمها للكاسر تحفيزا له وتشجيعا.
وتدوم عمليّة الصيد طوال نصف يوم وتبلغ الحصيلة إلى حدّ 80 عصفورا يوميّا وهي عصافير يتمّ استهلاكها لما للحومها من مذاق طيّب.
شكـّل الوطن القبلي منذ العصور الغابرة وجهة الغزاة والباحثين على الرّاحة والهدوء.وقد تغنـّى الكتـّاب من رحـّالة وشعراء قدامى ومعاصرين بجمال المشهد وروعة الطـّبيعة واعتدال المناخ وتميّز الشـّواطئ وتفرع روائح بساتينه وغاباته ومروجه.استوطنت بالرّأس الطيب بلد الخيرات شعوب وقبائل أتت من كلّ حدب وصوب مشكـّلة تراكما ديمغرافيا تتقاطع فيه الحضارات وتتلاقح وهبت الطبيعة الوطن القبلي كل الفضائل التي تجعل منه بستان قرطاجة المزهر وضفة لتسامح وانفتاح على المتوسّط وأرض ضيافة تجلب السيّاح والمصطافين من داخل البلاد ومن جميع أصقاع العالم.
هذه العناصر وغيرها من مكوّنات اقتصادية واجتماعية وثقافية وجغرافيّة تمنح الوطن القبلي إمكانات هامة في ميدان التصنيع السّياحي.شواطئ الواحد منها أجمل من الآخر ممتدّة على طول 300 كم ومزهوة بمياهها الصافية ورمالها الناعمة والمتلألئة تحت شمس دافئة ونسيم عليل والطقس معتدل على امتداد الفصول.مشاهد طبيعية خلابة لا تفقد نضارتها واخضرارها وكأنها غير آبهة بوضع الزمن ترصّعها مواقع ذات طابع بيئي خصوصي تميد من الجبلي إلى البحري، كثبان وصخور، مرافئ ومسالك غابية، هضاب وسهول، ومعالم آثرية شاهدة على الحضارات البرية التي تتالت على بلادنا .
إنّها مواقع غنية بالمنشآت وسهلة الزيارة لمدينة “كركوان” التي تعتبر المدينة البونيقية الوحيدة التي أفلتت من سطوة التاريخ ولم تمحها تبدلات الزّمن وتحولاته الضارية، ومدينة الحمامات العتيقة بأسوارها الشامخة في كبرياء ومقاومة عنيدة والتي كانت تدعى في سالف العصور “بوبوت” وصولا إلى نيابوليس أصل مدينة نابل المشهورة بأحواض تمليح السمك والمقابر البونيّة مرورا بسفح جبل سيدي الأطرش وهضاب منزل تميم ومدينة طبرنق الفريدة والبديعة التي تخصّصت في إبداع عملية التصرّف في المياه.
بدأت ملحمة السّياحة في الوطن القبلي في القرن 20 عندما تغنّى بجماله الغرباء من الرحّالة والرسامين والأدباء فوصفوه: كعش هادئ تعانق خضرته أمواج بيضاء على بحر لازوردي. بحر ماؤه كاللجين ورماله من ذهب وكثبانه عذراء كأنّ الطبيعة صفـّته بغربال سحري، ضمن مشاهد طبيعية أشبه بالسنفونية البصريّة أغرت أولى المصطافين من المبدعين والأثرياء الذين شيّدوا بيوتا وسط أجنـّة (جنائن) على ضفاف البحر مشكـّلين النواة الأولى للسياحة كما أطلق عليهم أحد علماء الاجتماع بالجهة إسم : السّواح الـرومانسيين المقيمين.
إنّ الأدباء الذين زاروا المنطقة ساهموا في وضع مدوّنة كانت وراء شهرة الحمّامات بين الحربين نذكر منهم على سبيل الذّكر لا الحصر “جورج برنانوس” ـ غسطاف فلوبير ـ بول فاليرى ـ ميشال تورني ـ فيدو مدينا ـ إلى جانب رسّامين أبدعوا في التقاط المشهد الطبيعي وتثبيته على لوحات مازالت اليوم مثار اهتمام زوّار المتاحف في العالم مثل : جراردي ، بول كلي أوغست مات وميولي.
استقرّ في العشرينات العديد أثرياء استقراطية أوروبا أمثال : الرومي جورج سيباستيان ـ والانقليزي ريتشاد سن ـ وهنسون ـ والجنرال المتقاعد : بريت الذين شيّدوا بيوتا مازالت مرجعا في تطويع المفردات المعماريّة المحليّة ولطريقة الأمثل في استغلال الفضاء واتـّجاه الريح ودوران الشمس.
والطريف أن بعض تلك المنازل تحوّل إلى أوّل نواة للنزل السياحية إبّان الاستقلال من ذلك أنّ نزل ميرمار وهو أوّل نزل سياحي بالبلاد التونسية (شيّد سنة 1958) انطلاقا من منزل رشاتسن الفاخرة كما تحوّل منزل الجنرال بروت بعد توسعته إلى نزل الفراتي.
بدأت الانطلاقة الحقيقية للسياحة التونسية سنة 1960 عندما كان عدد الأسرّة في النزل لا يتعدّى العشرات إلى أن وصل اليوم إلى 77849 ليلة مقضّاة. تتميّز السياحة في الوطن القبلي بتنوّع أقطابها واندماجها في المحيط الاجتماعي والاقتصادي.
تمركز النشاط السياحي في البداية حول قطبين نالا نصيب الأسد على مستوى التجهيزات (نزل ومطار ومدارس واستراحات ومغازات ووكالات سفر وغيرها من المتطلبات الحيوية) أقدمها قطب الحمّامات ونابل، أمّا الثاني “فياسمين الحمّامات” الذي شيّد منذ عقدين كقطب سياحي متكامل يعدّ مفخرة السياحة التونسية والمغاربية.
شهدت مدينة الحمامات، التي كانت حتى عشيـّة عهد الاستعمار قرية صغيرة لا يتعتدّى نشاط أهلها الصيد التقليدي وغراسة القوارص ولا تتجاوز مساحتها المدينة العتيقة الحالية تحيط بها أرباض صغيرة طفرة نوعية وكمية على مستوى السياحة إذ ارتفع عدد أسرّتها منذ سنة 1960 إلى 21960 سرير عام 1980 .عقدان كانا كافيين لتتحوّل أثناءهما كلمة سياحة دالّة على مدينة الحمامات، فتطورت القرية البحرية بنسق متسارع تجاوزت به جارتها الكبرى مدينة نابل التي بقيت مدينة متوسطة يحلو فيها العيش ولم تشهد غزو سلاسل النزل السياحة الجماعية.
الحمّامات وشم جميل على خدّ تونس، تمتد شواطؤها مرصّعة بمراكب الصيد التقليدية على عشرات الكيلمترات، شواطئ حافلة بالمنشآت السياحية المختلفة فتبدو وكأنها قلادة على جيد الوطن القبلي.
بتطوّر السياحة عرفت الحمامات منذ 960 انفجارا عمرانيا حوّلها من قرية هادئة إلى مدينة صاخبة وعرفت الحمامات كيف تحوّل نجودها التي هجرها الفلاحون لملوحة سباخها إلى قطب سياحي عالمي مندمج وهو قطب “ياسمين الحمامات” الذي يمكن للسياحة التونسية أن تفخر به.
وإذ كانت السياحة بالوطن القبلي في بدايتها سياحة شمس وبحر وسباحة وإقامة فإنّه سرعان ما تعدّدت المبادرات السياحيّة منذ 10 سنوات فأنشأت فروع أخرى ذات قيمة مضافة كحقول الصولجان وسياحة المؤتمرات وسياحة التداوي بماء البحر وتتواصل المبادرات الحالية لبعث مشاريع جديدة في ميدان السياحة البيئية والسياحة الطبيّبة وإدماج السياحة في الرياضة.
ويلوح في الأفق مشروع تونسي صيني كبير لبعث أكبر مشروع في المتوسط يختصّ في السياحة البيئيّة بجزر زمبرة وزمبرطة.
وليس بعيدا عن القطبين الأساسين نابل والحمامات تتوزّع المشاريع السياحية عبر مدن أخرى مثل : قربة وقليبية بتـشييد أنماط جديدة من النزل تتميّز بالمستوى الـرّاقي في الخدمات والاندماج في المشهد الطبيعي والوسط الاجتماعي. كما تطور مفهوم الصناعة الفندقية إذ شيدت مجموعة من النزل الصغيرة الشبيهة بالقصور التي تخصّصت في سياحة الكيف لا الكم. مساهمة في تصاعد عدد الإقامات العائلية المتأتية من السياحة الداخلية، العائلية حتى أصبح الوطن القبلي الوجهة المفضّلة صيفا للمصطافين القادمين من البلدان الشقيقة المجاورة وفي مقدمتهم الوافدون من ……. الوطن القبلي إلى قطب سياحي اصطيافي تتمازج فيه عشرات الجنسيّات في تفاعل قلّ نظيره في أي بلد عربي وإفريقي.وهاهم مواطنو أوروبا الوسطى والبلدان الاشتراكية سابقا يكتشفون الوطن القبلي كما بدأ توافد السياح الآسويين من الصّين واليابان، هذا التلاقح والتعايش يجعلان السياحة التونسية سياحة تعايش تزيح تلك الصورة القديمة التي أشاعتها السياحة الجماعية أو ما يسميها البعض سياحة وكالات الأسفار كما تحوّل الوطن القبلي إلى قبلة اختارها بعض المتقاعدين الأوروبيين للإقامة المتواصلة على مدار السنة. تماما كما هو الشأن للعديد في الشخصيات المعروفة والمرموقة في ميدان الموضة والفن والمال.
قيل عن أصل تسمية الحمّامات الكثير ونسجت حولها العديد من الخرافات، إلاّ أنه من المتأكـّد أنّ الحمّامات كانت منذ العصور القديمة أهمّ محطـّة استحمام واستجمام بما تناثر حولها من عيون سـاخنة قبل أن تنضب تلك العيون. وتستعيد الحمّامات علاقتها بالماء لتتحوّل إلى محطة استشفاء بماء البحر مثلى، وطريقة جديدة للتـّمتـّع بمياه البحر وما يحتويه من طفيليـّات.وتحتوي مدينة الحمّامات سبع محطـّات استشفاء واستحمام بماء البحر حيث يتمتّع المصطافون بجمال الطبيعة وكرم الضّيافة وخبرة الأطبـّاء المختصّين في هذا الضرب من الاستشفاء.وقد تطوّرت عمليّات العناية بالجسد من تدليك وتمسيد وعلاج الجلد والمفاصل ب استقطاب الطـّرق الآسيويّة الشهيرة في معالجة بالجسد والضاربة في القدم.وهكذا تتمّ عمليّة تدليك الأرجل والسّيقان على الطريقة التّايلنديّة وممارسة “التريكي” الهنديّة التي تعتمد على تفجير الطّاقة الدّاخلية لنشاط الجسد، كطّريقة مثلى عند الهنود لامتداد الحياة والطرق الصينية واليابانية في التمسيد والتـّدليك والوخز بالإبر في معالجة المفاصل.
يتمتّع الوطن القبلي برصيد متنوّع من المياه السّاخنة الطّبيعية وزاخرة بالعيون المتدفّقة مياها حامية في منطقتي قربص والحمّامات، وإن أصبحت حمّامات “الجديدي” تابعة لزغوان فإنّ مدينة قربص هي أهمّ محطـّة استشفاء واستجمام بالمياه السّاخنة في البلاد التونسية تحوّلت مدينة الحمامات إلى أهمّ محطـّة استشفاء بمياه البحر.على ضفاف السـّواحل الصّخرية الغربية للرّأس الطيب التي تطلّ مدنها وقراها على قرطاجة وسيدي بوسعيد، تحتمي مدينة قربص بالجبال من الرّياح العاتية التي تهبّ من خليج تونس محافظة على كنوزها من المياه الساخنة التي تتدفـّق من تحت صخور الجبال.
وقد ذكر هذه المدينة منذ العصور القديمة مؤرّخون مثل : “سلين” و”بتولمي” و”سترابون” وتيت ليف” وكانت تعرف بمدينة : “المياه السّاخنة” كما تؤكـّد ذلك الحفريّات الأثرية.
اندثرت المدينة وهُجرت، ولكن أحد المستوطنين أعاد لها مجدها وهو السيد “ليكوكربافتي” رئيس تحرير جريدة “الدّباش”. والذي تحصّل من السّلطة على رخصة ليعيد الحياة إلى هذه القرية النـّائية والعسير الوصول إليها بشقّ طريق جبليـّة تشييـّد بيوت استضافة وحمّامات معدّة لاستقبال الباحثين عن الاستحمام والاستشفاء بالمياه السّاخنة بعد أن تمّ ترويض تلك المياه المتدفّقة بطريقة عشوائية في أحواض تغذيها قنوات عصريـّة.
وتبدو مدينة قربص وقد احتمت بالصّخور من تقلّبات الطّقس وتحصّنت من كلّ هجوم طارئ درّة متلألئة ببيوت بيضاء المعانقة لضياء البحر.ينصح الأطبّاء والمختصّون بالاستشفاء بمياهها لمداواة أمراض الجلد وأجهزة التنفـّس وآلام المفاصل والعظام. وقد قام المختصّون بدراسة أثر مياهها على جسم الإنسان فتأكـّدت علميا صلوحيتها ومنافعها.وتتدفـّق من مدينة قربص سبع عيون مياه حامية يتمتـّع بها الزّوار وهي : العين الكبرى وعين الشـّفاء وعين العراقة وعين العتروس وعين الفكرون وعين الصبيّة.
ولكـّل عين صفات ودور في معالجة الأمراض. وقد توزّعت الحمّامات بين مغطاة ذات أحواض ومطاهر وبين تلك التي هي في الهواء الطّلق.وبرهنت التـّحاليل الكيميائية على غنى تلك المياه بالإصلاح والحوامض وشتّى المكوّنات القادرة على معالجة الأمراض إلى جانب نقاء الهواء الذي يهبّ عليها من خليج تونس.
كما يتم إعداد سوائل في قلال خاصّة وذلك بطبخ أنواع متعدّدة من الحشائش البريّة التي تنبت في أعالي الجبال المجاورة من عرعار وشيح وإكليل وزعتر وخزامة يتناولها القادمون للاستشفاء وبالخصوص أولئك الذين يشكون أمراض الأمعاء والكلى.قربص هي عاصمة الاستحمام بلا منازع وقبلة الراغبين في التداوي بالطرق الطبيعية بعد أن عجز الطبّ الحديث على تحقيق رغباتهم.
مُزهرة ومضاءة، وحافلة بالنّشاط والتـّنشيط، تلك هي ياسمين الحمّامات أوّل مركب سياحي مندمج في شمال إفريقيا.
يقع مركب ياسمين الحمّامات على مقربة من المدينة المركز، الحمامات (6 دقائق)، ولا تتجاوز المسافة بينه وبين مطاري تونس قرطاج والمنستير الساعة.يمسح هذا المركب 277 هكتارا بضفاف بحريّة تبلغ 4 كم وتحتوي على 45 نزلا أي أكثر من 20000 سرير، 80% منها في نزل ذات 4 أو 5 نجوم، و7500 سرير في شقق وفيلات وبيوت منفصلة. وتتخلـّله مراكز تجارية ومساحات خضراء ومراكز تنشيط، وعلى بعد 5 كم أحد أهمّ ملاعب الصّولجان ملعب : “غولف شيروس” الشـّهير دوليـّا ويحتضن ياسمين الحمّامات أحدث المرافئ الترفيهيّة وأجملها “المارينا”، الذي تبلغ طاقة استيعابه 720 مركبا، ومنه تنطلق أو تصل إلى جحافل المراكب في المسابقات البحرية وتنظـّم فيه المعارض الدّوليـّة السفنية.
أهمّ معلم في مركب ياسمين الحمّامات أتى على شكل مدينة ذات طابع عربي إسلامي تمّ تشييدها حسب قواعد تخطيط المدن العربيّة الإسلامية العتيقة بأسوارها وأسواقها ومساكنها التقليديّة، كما تحتوي على محطـّات استشفاء بماء البحر وتبدو مدينة ياسمين الحمّامات متحفا معماريا يغطّي عدّة قرون من التـّراث المعماري المتوسّطي.
مدينة الحمّامات يطيب العيش فيها، حيث التـّجوال عبر أزقـّتها متعة والجلوس على كراسي مقاهيها راحة ولمطاعمها المتعدّدة نكهة خاصّة، إضافة إلى المركب الترفيهي “قرطاج لند” المحاذي لها والذي يقدّم صورة مصغّرة من الحياة اليومية في قرطاجة العتيقة.
وبجانب مركز ياسمين الحمّامات منتزه يبلغ 1500 مترا يطلّ على البحر ويرصّعه 11 نزلا تفتح على مركب تجاري ضخم وتحاذي المنتزه شواطئ مجهّزة بكلّ متطلّبات الاصطياف من مشارب وشمسيّات وكراسي ووسائل عصريّة للنّجدة.
يستقبل ذلك المنتزه عدّة تظاهرات عالميّة كمسابقات الرياضة القصوى في القفز ومسابقات الدرّاجات النارية.
كلّ ذلك يجعل من ياسمين الحمّامات أهمّ مركب مندمج يقدّم جلّ ما تتطلبه السياحة ويعد واجهة ممتازة للسياحة التونسية على المستويين الوطني والعالمي.