تعتبر البيزرة والصّيد بالسّاف من أنبل أنواع الرّياضة عند العرب وقد انفرد الرّاس الطيب بممارسة هذه الرّياضة النبيلة. وإذا كانت رياضة البيزره مقتصرة على الأثرياء في الخليج العربي فإنها تمارس في شمال الوطن القبلي كرياضة شعبيّة يتعاطاها عشاق الصـّيد بالباز والسّاف ويتوارثها الأحفاد عن الآباء والأجداد.
وتشتدّ حمّى البيزره في منطقة الهوارية بأقصى شمال الوطن القبلي في شهر مارس وتنتهي موفى شهر جوان .
ينقسم موسم البيزره إلى فترتين: الأولى تتمثـّل في صيد الطـّيور الكاسرة والمهاجرة التي تستقرّ لفترة في أعالي الجبال المجاورة لمدينة الهوارية وتغطي الأشجار في شهري ماي وجوان حيث تبيض وتفرخ.
وصيّادو هذا النـّوع من البيزره تعلـّموا هذا الفن منذ نعومة أظافرهم وحذقوا صيد الطـّيور الكاسرة واستعمالها لصيد العصافير البريّة في صيد مزدوج ولا غرابة في أن تكون مدينة الهوارية مقرا لأهمّ جمعيّة للمحافظة على الطـّيور في تونس.
في شهر مارس تحطّ الطـّيور الكاسرة بين قمم الجبال وتختفي تحت الأشجار في المغاور والصّخور: تبيض وتفرّخ، هناك على الجبال المطلـّة على أقرب نقطة من أوروبا وهي جزيرة صقليّة المحطّة الأخيرة في شمال المتوسّط قبل انتقالها إلى القارّة الإفريقيّة متـّجهة نحو الجنوب وصولا إلى كينيا حسب تحوّلات الطـّقس.
وعند استراحتها تقطن تلك الطّيور أعالي جبال “سيدي الأبيض” وهي نوعان: “الباز” و”الصّقر” ويختصّ كلّ واحد منها في نوع من أنواع الصيد. إمّا الهجوم السّريع على الفريسة أو المطاردة. ويتمتّع الإثنان بعيون نافذة وحادّة قادرة على رؤية الضـّحية من بعيد حتّى أن أحد أحبّاء البيزرة قال بأن الباز والصّقر قادران على قراءة أعمدة الجريدة على بعد 200 مترا.
كما يتمتـّع كلاهما بسرعة في الهجوم تصل إلى حدّ 300 كلم في الساعة وهي أسرع الطيور تحليقا.
ويشرع الصّيادون في صيد الباز والصّقر بداية الرّبيع وتحديدا ابتداءا من يوم 20 مارس وهو تاريخ افتتاح موسم صيد الطّيور الكاسرة وذلك بين الجبال المحيطة بمدينة الهوّارية عاصمة السّاف والباز والصّقور والبيزره.
ويستعمل الصيّادون شباكا خاصّة للصّيد التي يفرشونها عبر الحشائش والأعشاب خاصة منسوجة من خيوط في لون الغابة تحطّ عليها الطيور دون أن تكتشفها فتسقط في تلك الشباك. وقد تستعمل شباك عموديّة تثبت على مربّعات خشبيّة تسحب بسرعة عندما تحطّ الطيور لافتراس عصافير ثبّتت تحت الشـّباك كنوع من “الطـّعم”.
ويمكث الصيّادون طوال الليل لبيع الطيّور الكاسرة بالمزاد العلني على ضوء المصابيح وهي عادة يتشبّث بها محبّو البيزرة، وتسجّل تلك الطيور في سجلاّت لأن القانون يفرض إطلاق سراحها بعد اختتام موسم الصّيد بالسّاف.
ويروّض الباز أو السّاف حتـّى يتعوّد على صاحبه ويتدرب على صيد أنواع خاصة من العصافير فترى الصيّادين مدّة الترويض مصطحبين طيورهم وهي راسية على رؤوسهم أو أكتافهم.
وما إن تكتمل فترة التـّرويض التي تمتدّ ثلاثة أو أربعة أسابيع، تهجم على المنطقة جحافل العصافير البريّة من ساف وباز معلنة انطلاق فتنقض على شتى أنواع العصافير لصيد السمّان والزرزور بشراسة.
ويختتم الموسم بمهرجان السّاف الذي ينظم في آخر شهر جوان ويؤمّه محبّو البيزره، وتنظـّم فيه مسابقات يقدّم فيها الصيادون مهاراتهم في الصّيد واستنباط طرق جديدة في الترويض وكيفية ملاحقة الطيور الكاسرة للعصافير.
حالما ينتهي موسم الصّيد وتهاجر العصافير يقع إطلاق سراح الطيور حسب السجلات حماية لها وحفاظا على التـّوازن الطبيعي ويمكن أن يحتفظ بالبعض منها بعد ترخيص مسبق قصد تعليم الصيادين الجدد.
ويشعر البيازرة المنضوون في الجمعيّات والنّواد في الاحتفال بإطلاق سراح الطيور بالحسرة وحرقة الفراق وعزاؤهم الوحيد قدوم الموسم المقبل لتعاطي هذه الرّياضة النـّبيلة التي لا تمارس إلاّ في هذه المنطقة من البلاد.
عملية الصيد بالسّاف
بعد أن يتمّ ترويض الطيور الكاسرة كالسّاف والباز والصّقر يحمل الصيّاد طيره على كتفه أو ذراعه المغطّى بقفـّاز جلدي ويجوب الغابات باحثا عن العصافير المختفية بين الأعشاب.
وعندما تطير العصافير يطلق الصيـّاد الطير الكاسر الذي ينطلق كالسّهم في سرعة خارقة ويفتح جناحيه منقضّا على العصفور في ضراوة ودقّة مجهزا عليه بضربة منقار ثمّ يختطفه بين مخالبه ويلقي على الأرض على بعد بعض الأمتار ليتسلّم الصيّاد الضحيـّة ثمّ يشير على الكاسر بأن يحطّ على ذراعة ثم تتكرّر هذه العمليّة وبعد أربع أو خمس عصافير يقدّم الصيّاد جزءا من لحمها للكاسر تحفيزا له وتشجيعا.
وتدوم عمليّة الصيد طوال نصف يوم وتبلغ الحصيلة إلى حدّ 80 عصفورا يوميّا وهي عصافير يتمّ استهلاكها لما للحومها من مذاق طيّب.