تعتبر مدينة نابل عاصمة الفخـّار إلى جانب جزيرة جربة ومدينة المكنين. وتعود علاقة الوطن القبلي مع صناعة الفخار إلى العصور القديمة، حيث أكّد المؤرخون أن الفخـّار كان يصنع في نابل أو نيابوليس : (المدينة الجديدة) على شكل أوان ذات أبعاد مجردة ودقيقة منها جرار لخزن الزيت وقلال لاستجلاب الماء من الآبار والعيون ذات العنق الضيق والأنيق وكانت ورشات صناعة الفخـّار متعددة في منطقة نابل وتصدّر بواسطة المراكب إلى كل المدن المجاورة لضفاف المتوسط وقد عثر المؤرخون أثناء حفرياتهم بنابل و دار شعبان و الحمامات على بقايا قلال وجرار وأوان من فخار .
يعود مجد صناعة الفخـّار بالوطن القبلي إلى نهاية القرن السادس عشر حين أصبحت صناعته مزدهرة بقدوم حرفيين من جزيرة جربة باحثين عن أسواق جديدة والذين وجدوا في محاجر الطين بالمنطقة مادة أوّلية جيدة و متوفرة بغزارة. وقد استوطنت عدّة أسر أصيلة جزيرة جربة مدينة نابل حتى أطلق على حي الفخـار المسمى أصلا بالقـلتة “حي الجرابة” وعلى ورشة صناعة الفخار “دار جرابة” أو القلالين بعد قدوم حرفيي الفخار من حي القلالين بتونس ويوجد إلى حدّ اليوم حي بمدينة نابل يدعى حي الجرابة.
كانت جلّ الورشات والمشاغل تتجمع في حي واحد يسمّى القلتة والذي لم يبق منه الآن سوى ورشتين صغيرتين كنماذج إلى جانب منطقة المحفر مركز مدينة نابل وتدل الكلمة على أن المكان كان “محفرا” أو “محجرا” يقتطع منه الطين ثم نقل بعد الاستقلال حي الخزّافين إلى خارج المدينة على طريق تونس حيث أصبح منطقة صناعية مختصة في حرف اللهب والطين بورشاتها الصغيرة ومعاملها الصناعية الكبرى.
وقد تخصص حرفيو الفخار القادمين من جزيرة جربة في نوع من الفخار الأصيل والبسيط المسمى بالشـّواط والذي كان من اختصاص قلالة بجربة.
اشتهر خزف نابل بخصوصيته في اللون والشكل، إذ انفردت المدينة بعد القلالين بنوع من الخزف المطلي بأوكسيد الرصاص وألوانه المتميزة الصفراء والخضراء إلى جانب زركشة بيضاء وزرقاء ويرجع استعمال أكسيد الرصاص إلى بداية القرن السادس عشر حين استجلبه الأندلسيون.
أمّا الخزف التقليدي المسمى بالخزف العربي ذو الألوان القصطلية المرسومة على مساحات صفراء داكنة فيعود إلى قدوم الخزافين من جزيرة جربة في بداية القرن السابع عشر، ثم انتشر الخزف من طراز “القلالين” بعد قدوم عدد من الخـزافين إلى نابل من حي الخزافين بالعاصمة والمعروف بالقلالين.
في بداية القرن العشرين انتشر صنف جديد من الخزف يتميز بتعدد الألوان والرسوم والتفنن في الزركشة التي تجلب السياح وهي طرق مستحدثة لمجاراة العصر حتى كاد خزف نابل الأصيل يندثر.
لكن نشاط المندوبية الجهوية للصناعات التقليدية بنابل والحوافز التي قدمتها وتقدمها للحرفيين وعمليات المساعدة والترشيد أعادت البريق إلى صناعة الفخـّار التقليدي المعروف بفخار نابل وحتى فخار القلالين.
توجد بنابل عدّة أسر اشتهرت بحذقها لصناعة الفخار مثل عائلة بن سدرين أصيلي جربة وعائلة المجدوب وخاصة أسرة الخرّاز المنحدرة من أصول أندلسية كما يدل على ذلك اسمها إذ أن الخرّاز هو أصلا تعريب لكلمة الكرازاز الاسبانية والتي تعني القلة الصغيرة المستعملة لتبريد الماء كالدورق النابلي.
تـقـنية صناعة الفخار في نابل تقـنية عريقة تتم بطريقة تقـليدية تستعـمل الطين الطبيعي الذي تتم تسويته في أفران تتراوح درجة حرارتها بين 800 و950 درجة وأشكالها متعارف عليها ومتوارثة ومتشابهة وتعود إلى أشكال الفخار والخزف بجزيرة جربة ولكن
المتمعّن في تلك الأشكال يكتشف أن بعض قطع الفخار المصنوعة في نابل ترجع أصولها إلى الفخار البوني والروماني.
أمّا الفخار والخزف الفنيين فيستمدان أشكالهما وزخارفهما من عدّة مصادر ترجع تقنيات طليها ودهنها إلى التقنيات المتداولة في جنوب فرنسا وإيطاليا حتى القرن الخامس عشر.
ولصناعة قطعة فخار يمرّ الخزاف في نابل بعدة مراحل، تبدأ باستخراج الطين من المحاجر الكبيرة المجاورة للمدينة والمسماة بغار الطفل ويبلل الطين ويخزن رطبا حتى يستوي ويحتفظ بطراوته ثم يصفى من أحجاره ويجفف ويهشم ويغربل ويخلط ثم يبلل ويترك مدّة طويلة حتى تتفاعل مكوناته مع بعضها ليتحول إلى نوع من العجين الطيني الليّن ثم يعاد خلطه وعجنه ودلكه ليطاوع الخزاف الذي يستعمل آليات بسيطة لصنع قطع الفخار ولا يحتاج إلى مهارة في حركة الرجلين واليدين مكتفيا بحركات وحرفية لم تتغير منذ 3000 سنة قبل الميلاد كما تدل على ذلك الحفريات في مصر القديمة واليونان.
وتخرج من كتل الطين أشكال رائعة وتحف جميلة وأوان صالحة للحياة اليومية ذات أبعاد وأحجام ومرافق على درجة كبيرة من الدقة والتناسق وتطهى تلك الأواني في أفران إما بالطريقة الطبيعية أو تطلى وتزركش بألوان زاهية وتحمل مفردات تشكيلية متناسقة .
وإلى جانب الفخّار يصنع الجليز الذي هو في الأصل فرع من صناعة الخزف وذلك لتبليط الأرض والجدران وتزيين المباني العامة والبيوت الخاصة.الفخار هو مفخرة نابل والخزف يشكل سحر الإبداع الحرفي بالوطن القبلي.