بدأت الأزياء التقليدية الأصيلة تندثر شيئا فشيئا من كلّ أنحاء البلاد صناعة ولباسا وتجارة، وإذا كانت بعض النـّساء الحاذقات يخبّئن أزياء زواج أمّهاتهن تبرّكا حتى يتزوجن بدورهن ولزواج بناتهنّ فإنـّه لم يبق الكثير من النساء الـّلاتي يصنعن ويفصلن ويطرزن لباسهن كما كان الأمر حتى أواسط القرن العشرين ماعدا في ثلاث مناطق هي : المهدية والرفراف والوطن القبلي، حافظت كلها على فنّ فصالة وتطريز اللباس التقليدي وخاصة منه النسائي.
وتتنافس نساء الوطن القبلي ربات بيوت كنّ أو أمهات أبكارا أو عازبات في هذه المهارات بحذق وصنعة عالية.
نساء الوطن القبلي عاملات بكد و صبر واجتهاد. ففي الريف يشتغلن في الفلاحة وإن كنّ في الحواضر فهنّ الـّلاتي يقمن بكل متطلبات البيت والأسرة، والمرأة الرّيفية كما الحضريّة في الوطن القبلي لا تتوانى عن إعداد أزيائها وخاصة منها المعدّة للزواج والأفراح والمناسبات كالأعراس والمواسم السنوية.
عمل دقيق كما تقول الأغنية، ريشةُ بريشة، غرزةُ بغرزة، خيطُا بخيط ، ونسيج محكم يفيض جمالا وفتنة.
جرت العادة أن تعدّ المرأة البكر المخطوبة أزياء الزواج بيديها مستعينة بأمها وأخواتها وجاراتها و تستغرق تلك العملية سنة أو أكثر.
كان تنفيذ أزياء النساء لغاية السنوات الأخيرة موكولا إلى النساء أنفسهن ما عدا النسيج الذي هو من اختصاص الرّجال وتنفّذ النساء بدقـّة وتؤده كل مراحل حياكة اللباس من الزّزة أي الصّوف حتى الغزل والفصالة والتطريز ونقش الأزرار والتذهيب.
وتستعمل النساء الدانتيلا المشبكة التي ورثتها المنطقة عن الأندلسيين الذين حذقوا صناعتها وإدماجها في توشيح الأزياء. ومازالت مدن الوطن القبلي محافظة على هذا الطراز.
يتكوّن لباس العروس أو الكسوة من عدّة قطع جميلة وفاخرة أعدت بحبّ وتأنّ ومهارة خياطتا وتطريزا منها القميص، والجبّة والجبّة العكري والسّراويل من مختلف المقاسات وكل لباس يجهز لأحدى مراحل مراسم الزواج ومنها بعض القطع كالفرملة أو غيرها من الفساتين تعدّ للمتزوّجات وتعرف لغة الأزياء من فصالتها وتطريزها وألوانها.
تدخل في إعداد هذه الأزياء مواد أولية من نسيج صوفي وحريري وقطني وحتـّى الكتان الذي كانت تزرع نباتاته في الوطن القبلي وكذلك النسيج المخملي، و تطرز على تلك الخامات الأنيقة أشكال بديعة بخيوط من الذهب والفضة المطروقة، والعدس والدانتيله والغرز والشرائط الملوّنة. ولا يوجد بيت بنابل و الحمامات ، إلا فيما قل وندر، بدون آلة التطريز التي تسمّى: القرقاف وهي تتكوّن من جهاز حامل من الخشب المطلي بالدّهن الأبيض والذي يبقى شهورا مسندا لجدران السّقيفة حيث يتمّ التطريز كلّ ما سمحت الفرصة. ويبقى القرقاف محمّلا قطعا أثناء التطريز حتى يستبدل الفستان أو القميص بآخر.
يمرّ تنفيذ أجزاء الكسوة بعدّة مراحل إذ تتكون من عدّة قطع تختلف الواحدة عن الأخرى بشكلها والمواد الأولية التي تدخل في إنجازها. تبدأ الخياطة بالفصالة التي تقوم بها إمرأة مختصة وإعداد أجزاء القطعة ثم يأتي دور الرسامة التي تعدّ تصاميم
التطريز، تأتي تلك التصاميم عادة على شكل خطوط مستقيمة أو خطوط منكسرة أو دائرية أو متجعدة تصاحبها أوراق وأزهار ونجوم ونقاط وتضاف إليها أحيانا رسوم ذات قدرة سحرية لمحاربة الحسد ودفع الأذى واتقاء “العين” إلى جانب مكملات أخرى من أقفال وأقراص تصنع من خيوط الفضّة.
تتكون مدونة الأزياء التقليدية من عدّة قطع ترتقي إلى مصاف الأعمال الفنية اختصت بها مدينتا الحمامات و نابل ويوجد في مدينة الحمامات متحف يقدّم للزائر جل أنواع الأزياء التقليدية وكيفية إنجازها ومناسبة ارتدائها.
تتقن نساء الوطن القبلي التطريز على شكل ما يسمّى “غرزة نابل” لإعداد المكملات مثل الخوان والمناديل وأغشية الأسّرة والمخدات وحتى ملابس النساء الداخلية.
ولإعادة إحياء هذه الحرف وفنونها يتم التركيز حاليا على إعداد البرامج وتوفير التمويلات، والتشجيع وطنيا وجهويا على إعادة بعث مراكز للتكوين بنابل على غرار “دار معلمة” و ربطها بمدارس الحرف في شراكة مقيدة بين المتدخلين كمدرسة الصناعات التقليدية والإتحاد الوطني للمرأة ومراكز تكوين الفتاة الريفية وكذلك تشجيع الخواص للمساهمة في عملية التكوين والتعريف بهذه الحرف. مواصلة بذلك ما قام به الباحث “بيارليس” في الخمسينات حين كان مسؤولا على الصناعات التقليدية بالوطن القبلي والذي شغف بالصناعات التقليدية وساهم في تطويرها كما ترك مجموعة من النصوص والدراسات والوثائق تصف بدقة متناهية عمل المطرزات بهذه المدينة.