لئن عرف الوطن القبلي بخصبه وتطوّر صناعة السيّاحة على ضفافه وشواطئه فقد اشتهر أيضا بتطوّر الصناعات التقليدية التي تمارس في جلّ مدنه، و نحبّذ مفهوم الحرفة على الصناعة التقليدية. الحرف هي التي تنتج إبداعات لا تدخل في صناعتها المكْننة أو المعامل بل هي تنتج قطعة قطعة بيد الحرفيين المهرة وبكدّ وأنامل النساء التي كأنها قدت من ذهب وأيادي الرجال وكأنها سكبت من فضّة وتتقاطع فيها المهارة بالإبداع ودقّة التنفيذ وتوهّج الخيال وتفجّر المتخيّل.
وهو عمل دؤوب بدأ بعيد الحرب العالمية الثانية إذ أسّس الباحث والمؤرخ “بيارليس” المركز الجهوي للصناعات التقليدية ودرس ذلك القطاع وترك لنا مدوّنة هامّة حول الحرف بالمنطقة.
يمارس حرفيو الوطن القبلي جلّ الصناعات التقليدية ويتميّزون بالبعض منها كنسج الحصائر والنقش على الحجارة؛ ويتم هنا استغلال كل منتجات الطبيعة حجرية كانت أو نباتية أو حيوانية وتحول إلى أمتعة وأوان وتحف منها الضروري للحياة اليومية ومنها الابتكارات الفنية.
يساهم الحرفي في الوطن القبلي، من خلال إنتاجه وعمله، على مستويين: الاقتصاد والتجارة من جهة والمحافظة على البيئة من جهة أخرى باستغلال كل العناصر التي لو تركت مكدسة لساهمت في تلوث المحيط.
ومن المواد الحجريّة يستغلّ الطّين والحجر في إنتاج الخزف والفخّار والنقش وتستعمل المواد النباتية من صمار وحلفاء وخشب وحتى الكتان في النسيج والنجارة والتطريز والضفائر والقفاف.
يستغل الإنتاج الحيواني من الصّوف والجلد للنسيج والتطريز والإكساء والأحذية والحقائب وغيرها.
أمّا على مستوى المعادن مثل الحديد والنحاس فقد أصبح الوطن القبلي عاصمة الحدادة الفنية.
ومن هذه المواد ما ينسج وما يطرّز وآخر يُنحت وثالث يُطرق ويُنقش وآخر يوشّح .
يا لها من سنفونية من الحركات وكأنها مهرجان إبداعي يتبارى المشاركون فيه على تفجير قرائحهم، وشحذ خيالهَم!
ليس من المبالغة التأكيد على أنّ الوطن القبلي يعتبر متحفا حيا للحرف والصناعات التقليدية ونافورة إبداع في شتى هذه الفنون التي تختص بها هذه المدينة أو تلك فالخزف والفخار مفخرة نابل وتتفرّد دار شعبان الفهري بالنقش على الحجارة أما تحويل الحلفاء وصناعة القفاف فتختصّ به الصمعة و منزل حر والقصب البري مدينة الهوارية.
تعتبر مدينة بني خيار عاصمة النسيج وهي التي بعثت فيها منذ الاستقلال تعاضديّة “الفوز” الشهيرة، ويتمركز التطريز والخياطة في الحمامات و نابل وقربة وتنتشر ورشات البناء المعدني والخشب والحدادة وطرق النحاس على كامل مدن الساحل الشرقي.
يتميز الوطن القبلي بالكثافة العالية من الحرفيّين في شتى الميادين من نقاشين ومطرّزات ونساجين وصانعي الحصر والقفاف والسّجّاد النباتي والخزّافين وصنـّاع الجلود كالدّلو والأحذية والنجارين و ينتمي جلـّهم إلى مجامع مهنية تنظم عملهم وتساعدهم على تسويق إنتاجهم بدفع من المندوبية الجهوية للصناعات التقليدية بنابل التي تضع على ذمتهم المواد الأولية والمرشدين كما تضع على ذمّة العديد منهم ورشات ضمن المركز الجهوي للصناعات التقليدية الذي يعتبر قبلة للسياح والزبائن .
وإذا كانت بعض الحرف مهدّدة بالاندثار فإن عددا هاما منها مازال صامدا بل ويعيش قفزة نوعية كالجليز والخزف والتطريز والنسيج وفنون اللهب.
وقد وضعت مخطـّطات مرحلية لترشيد الصناعات التي يعزف عنها الشباب وذلك بالمساعدة والتكوين وتنظيم المعارض كمهرجان الحصير ومعرض الصناعات التقليدية اللذين ينظـّمان كل سنة والتشجيع على المساهمة في المسابقات المحلية والمشاركة في المعارض الدولية والتنسيق بين السياحة والصناعات التقليدية وتعصير القطاع.