يمارس العديد من الحرفيين في الوطن القبلي فنّ نسج الحصر وذلك في مختلف أنحاء البلاد. لكنّ عاصمة هذه الحرفة الفنيّة هي مدينة نابل دون منازع كما أن بعض مدن الوطن القبلي الأخرى تستعمل الحصر لفرش أرضية المساجد والزوايا ودكـّات مداخل البيوت وفي المقاهي التقليدية، وتستعمل كذلك كواقِِ من الرّطوبة والبرد وكمهاد فوق الفرش كما تستعين بها ربـّات البيوت لتجفيف القمح والكسكسي وكل ما يدخل في المؤونة ويعتبرها أحبـّاء البيئة أفضل طريقة بيئية لتجفيف المحصولات وخزنها لأنـّها لا تتطلـّب إلاّ حصائر وحرارة شمس.
تتجمّع ورشات ناسجي الحصر في منطقة الرّبط بمدينة نابل حيث يوجد شارع نسّاجي الحصر وفي كثير من الأحيان تمارس هذه الحرفة في ورشة متاخمة لبيت السكن شريطة أن يكون المحل عالي الرطوبة.
وتتمثـّل الورشة في دكـّان يعلوه سقف مقوّس وبه “دكـّانة” لمضاعفة الفضاء وخزن المواد الأوليّة.
ويقع جمع الصمـّار، المادة الأولية لنسيج هذا السجـّاد النـّباتي، بطريقة منتظمة وإعداده يتطلب خبرة وبراعة فائقتين وصبرا ودقـّة.
بعد حصاد الصمّار يجفّف في الظلّ حتى لا يتفتّت ويخزن بعيدا عن الأمطار كي لا يتعفّن، ثم يقع فرزه حسب المعيار واللون حتى يتسنـّى للحرفي وحدة خامة اللحمة التي ينضد فيها الصمار على السدى، ويتمّ صبغ الصمار بألوان زاهية لزركشة الحصر بعدّة وحدات تشكيلية وتجريدية هندسية أو بالخط والكتابة أو تجسيدا لبعض الحيوانات كالجمل والطيور، ويستعمل الحرفيون أصباغا طبيعية
نباتية المصدر كالخزامة وقشور الرمان، ويحتفظ كل حرفي بأسرار تركيبة الأصّباغ المستعملة.
وقد عرفت سنة 1942 طفرة في إنتاج الحصائر إذ أصبحت تستعمل كأفرشة للجيوش الألمانية، ويومها استجلبت الصباغ الصناعية من سويسرا وهولاندا لتسريع وتيرة التنفيذ.
لا يتطلب نسيج الحصر آلات معقدة إلا المنسج الذي يدعى هنا “النـّول” والذي يصنعه النجار المحاذي استجابة للمثل السائر : “منسج الفقير يصلح لنسج زرابي الفقراء”
ويتعرّف المارّة على ورشة ناسج الحصر من تراكم حزم الصمّار المزركش من أصفر وأخضر وخزامة وأحمر وتمدّد السدى على النـّول على طول الورشة قريبا من الباب للإضاءة. وتقدّ السدى من حبال الحلفاء الجيّدة واللحمة من الصمار الذي يقع ترصيفه بطريقة فنية ومهارة عالية وصبر وسكون وتركيز يشابه تركيز الصوفيين، بعيدا عن كل ضوضاء، و قد تدخل في صنع الحصائر خيوط الخيشة الصناعية والتي تساعد رقـّتها على خلق ابتكارات أخرى كالمحافظ والقفاف والأرائك والمصابيح ولوازم الطاولة كقطع الخوان.
عملية النسيج جماعية : إثنان أو ثلاثة يتبادلون خيوط السّدى وترصيف الصمار لتنضيد اللحمة في مشهد بديع وقد انصرف الحرفيون إلى شغلهم في صمت وأياديهم ترسم حركات رشيقة تطرّز وتنسج.
تتمّ عمليّة الرقش والتزويق باستعمال مفردات تشكيلية وفطرية مستوحاة من زينة الزرابي والمرقوم وتمثـّل أشكالا هندسية مربـّعة ومثمـّنة ومزيّنة بحيوانات كالسمك والطيور والجمال.
وتباع الحصر في الأسواق الأسبوعية وخاصة بأسواق نابل وقابس وجربة، وتوازي تجارة الحصر بيع الفخار لأنها من ذات المصدر كما هو الأمر في الأسواق الشعبية المجاورة لمقام الولي سيدي محرز بتونس.
وتشهد الأسواق الآن هجمة شرسة لأنواع من الحصر المصنـّعة من مواد اصطناعية وألوان غريبة ينجز أكثرها في آسيا وحتى بالأردن.
يتعاطى الحرفيـّون نسيج الحلفاء وهي نبات كالصمار أقل طولا تستجلب من مناطق السّباسب كجهة القصرين وسيدي بوزيد تصنع منها بعد أن تظفـر وتخاط قفاف متفاوتة الحجم وأوان لجمع المحصولات وتغذية الحيوانات وتصفية التوابل وحتى بيع المشموم والزنابيل الحاملة للمحاصيل على ظهور الحيوانات.
بتعدّد النزل والشواطئ الاصطيافية تطوّر صنع الشمسيّات والمضلات التي تضفي عليها منظرا جميلا تتآلف فيه الحلفاء وهي مادّة طبيعية وبيئية مع لون الرّمال.
تحتفظ دار شعبان الفهري بآخر ورشات ضفائر الحلفاء وهي الآن مهدّدة بالانقراض,ومنذ سنوات برز نوع آخر من منتوجات الحرف ويتمثـّل في استعمال القصب البري للشمسيّات وتظليل المنازل وأشياء أخرى جميلة وطبيعية حتى حوّل بعض فلاحي منطقة وادي المقايز نمط فلاحتهم من الخضر إلى زراعة القصب على ضفاف الأودية والبرك لما تدرّه عليهم من أرباح.
ينبت في الوطن القبلي نوع من النخيل القزم الذي يتناثر بين صخور الجبال ويستعمله الحرفيون لصنع ضفائر تدخل في حياكة القفاف والقبـّعات والمظلات الشمسية وقطع أخرى كسجّاد الصلاة وهي حرفة تطوّرت في مدن الصمعة، قربة ومنزل حر وقد امتد إنتاج هذه المناطق إلى كافة المناطق المجاورة.