الوطن القبلي أثناء انتفاضة 1864
أولاد سعيد يحملون شظايا الانتفاضة إلى الوطن القبلي:
كتب عبد القادر بحرون خليفة نابل مخاطبا محمود عزيز عامل الوطن القبلي بأن أفراد من أولاد سعيد القادمين من النفيضة، انتصبوا برحبة نابل وسوق الجمعة بها، وكانوا يبيعون حبوبهم. ولما طولبوا بدفع “المكس” امتنعوا وقالوا بأنهم يمتثلون في ذلك إلى أوامر كبراء عروشهم وقد حصل ذلك بالتحديد في شهر ذي القعدة 1280 هـ (أفريل 1864)، وكانت تلك الإشارة الأولى المنذرة برياح التمرّد القبلي الزاحف.
اجتاحت طلائع أولاد سعيد الوطن القبلي بضعة أيام فقط عقب قرار محمد الصادق باي بإسقاط الزيادة في أداء الإعانة عن الوطن القبلي وباقي الإيـّالة. وكان هذا الإجتياح تكذيبا فوريّا لما ذكره العامل محمود عزيز في أحد تقاريره من أن أهل الوطن القبلي ” في غاية الهناء التام والعافية الشاملة”.
استقبل أولاد في 14 ذو القعدة 1280 هك (21 أفريل 1864) مائتي فارس من الهمامة الجلاص جاؤوا يطالبونهم بالانضمام إلى القبائل المتمرّدة. وما كان على أولاد سعيد وهم الذين دجنتهم السلطة الحسينية منذ القرن الثامن عشر إلاّ أن استجابوا لضغط المتمرّدين ووعدوهم بإرسال مبعوثين عنهم إلى القيروان لتلقي التعليمات.
لمـّا تعاظم أمر أولاد سعيد أغاروا على نابل فداهموا دكاكين اليهود وديارهم وسلبوا ما فيها. وفي أواخر ذي القعدة 1280 هـ تجمع البدو “العربان” مسلّحين بالبنادق وغيرها من الأسلحة في ضواحي نابل ثم توجّهوا إلى وسط المدينة للفتك باليهود والنصارى، فتصدّى لهم أعيان المدينة وطلب البدو مقابلا للانسحاب 10 آلاف ريال من أموال اليهود إلاّ أن أعيان نابل لم يوفروا سوى ألف ريال.
هاجم البدو الحمامات ونهبوا أهلها، واستقبلت المدينة أفواج اللاّجئين ممن بعض القرى ومنها تكرونة وهرقلة. كما لجأ إليها بالواعر وهو من أعيان أولاد سعيد بعد أن توجس خوفا من قبائل ونيفة خلفاء جلاص ذلك لأنه ساعد الجنرال رشيد قائد جيش الساحل على بلوغ القيروان.
وتلقـّى أولاد سعيد تعزيزات بشريّة من فروع قبليّة أخرى كالمثاليث الذين اشتركوا معهم في النهب وقطع الطرق. وأصبح البدو يسرقون ليلا وفي النهار يساومون الأهالي في مواشيهم المختلسة. وقد اتـّفق المسمّى أحمد الساحلي من دار شعبان مع جمع من “العربان” على أن يسلّمهم 250 ريالا لقاء استرداده لمواشيه.
أمّا في قليبية فكان الوضع هادئا رغم تخوف أهاليها من هجوم محتمل من القبائل المجاورة التي “تتوعد البلد وأهمّها عروض حبشة وزياد”.
الطيب النفاتي
من كتاب الوطن القبلي الماضي والحاضر بحوث ودراسات
نشر وزارة الثقافة اللجنة الثقافية الجهوية بنابل 1993, ص 141 –143.