حجر دار شعبان الفهري
زينة الواجهات ودعامة البيوت
يندهش الزّائر لبلادنا أمام العديد من الواجهات التي لا مثيل لها في أيّ بلد من العالم. وهذه الواجهات لبنايات خاصّة أو عامّة تعكس إبداعا ودقـّة وحرفيـّة عالية وهي مصنوعة من الحجر المنقوش والمحفور يدويـّا.
هذه الحرفة التي تسمّى نقش حجر دار شعبان تكاد تقتصر على مدينة واحدة في البلاد ألا وهي مدينة دار شعبان الفهري مكوّنة من قريتين : دار شعبان و”الفهري” التصقتا لتكوّنا مدينة متمازجة.
تتوزع ورشات حفر الحجارة ونقشها في أرجاء المدينة تحت أروقة ذات أقواس عديدة تنبعث منها موسيقى أصوات أزاميل النـّقش وهي تحفر الحجر.
يجب التـّفرقة بين نوعين من الحجارة المنقوشة: الأوّل أصيل وهو ينقش يدويـّا على حجر هشّ نوعا ما ونوع جديد اصطناعي قدّ من رمل ومواد كيميائية وغبار المرمر.
يرجع فنّ النـّقش على الحجر في بلادنا إلى العصر الحفصي كما يتّضح أثر ذلك في جنبات أوّل مئذنة في العاصمة، هي مئذنة جامع القصبة.
تستخرج الحجارة من أحشاء جبلين قريبين وهي حجارة تتميّز بالصّلابة والهشاشة في نفس الوقت وكأنـّها رمل مضغوط ممّا يجعل نقشها ورقشها وحفرها سهلا دون أن تصاب بالتفتّت بمفعول الزّمن والعوامل الجوّية؛ يتحوّل ذلك الحجر من البياض إلى الأصهب والوردي، ويستمد النـّحات أمثلة النـّقش من رسوم هندسيـّة وأزهار وعصافير وحتى خطوط، ثمّ يقع الحفر بأزميل خاص في حرفية راقية وحركات ابداعيـة دقيقة و تستلهم هذه الرّسوم أشكالها من مراجع معمارية مختلفة منها : البربري الصّرف والبوني والرّوماني والبيزنطي خاصّة بالنسبة لتيجان الصواري والأساطين التي تنحت للمساجد والبيوت الفاخرة والقصور وتستوحي عدّة نماذج رسمها من الخطّ العربي.
عند قدوم الأندلسيّين الذين حملوا معهم مرجعية خاصة بهم انتشرت نماذج من النقش مستوحاة من معالم قرطبة واشبيلية وغرناطة وحتى الأسلوب الإيطالي في النقش دخل مدوّنة الإبداع النـّحتي فنجد الهلال والنـّجمة والأزهار وخاصـّة أوراق الزهور والعنب وكأنما هي مستوحاة من أمهات المخطوطات. أمّا التـّيجان فهي مبسّطة الشـّكل، جميلة المنظر ودقيقة الصـّنع. وكثيرا ما تنقش على ناصية الأبواب آيات قرآنية وتعاويذ لإبعاد الأذى وطلب الحماية من العناية الإلاهية.
يستجيب الحرفيـّون إلى طلبات من كل أنحاء الجمهورية سواء للبنايات الخاصّة أو العمومية وقد بعثت لهذا الغرض معامل كبيرة خارج المدينة تصدّر هذه الحجارة بكمّيات كبيرة إلى البلدان العربيّة وخاصة بلدان الخليج لترصيع المساجد والقصور. وتعكس العديد من الأمثلة مدى براعة المهندسين في إدماج هذه الحجارة المنقوشة ضمن البنايات الحديثة مثل مقرّ بلديـّة تونس العاصمة التي غطـّت جدرانها وقدّت أعمدتها من المرمر وحجارة دار شعبان وكذلك مقر بلديـّة نابل الجديد الـّذي هو إنجاز معماري يؤكـّد مهارة البنـّائين والنـّقاشين في الوطن القبلي.
وتستحوذ عملية نقش الحجارة على كامل وقت سكـّان دار شعبان الفهري الفخورين بعملهم والغيورين على نشره والمبتهجين بإبداعاتهم.