الحمامات في العصر الوسيط
إن المعلومات التي توردها المصادر حول مدينة الحمامات ضنينة وعرضية في بعض الأحيان تتطلـّب الإفتراض والتخمين، ويرجع ذلك إلى وضعيّة المدينة منذ العهود القديمة.
ففي العهد الروماني وعلى الرغم من أهمية المعالم التي ترجع إلى ذلك العهد. لا تتوفر معلومات هامّة حول هذه المدينة فهي تكاد تكون مجهولة بالنسبة للنصوص الأدبيّة القديمة.
وقد وقع التعرّض لذكر المدينة في بعض الوثائق التي تتحدث عن المسالك. ففي العهد الرّورماني ورد إسم بوبوت أو بودبوت وبوتبوت في بوتنقار (La table de Peutinger): أو رحلة أنطونين، L’itinéraire d’Antonin.
كما ورد حسب محقق ومترجم “حروب الوندال” لبروكوب القيصريّة عند الحديث عن الطريق التي سلكها الجيش البيزنطي سنة 533 من سوسة في اتجاه قرطاج.
ذكر البكري بعض المعالم التي توجد في منطقة الحمامات مثل قصر الزيت المعروف قديما بـ Siagu والموجود بمنطقة بئر بورقبة اليوم. وقد تحدّث عنها الإدريسي في نفس الإطار أي ذكر المسالك البرّية والبحريّة والمراسي.
كما أن المرشدات البحريّة الإيطالية والقطلانية والعربيّة لم تهمل هذه المدينة وإن ورد اسمها محرّفا في هذه الوثائق “Maometa” اعتقادا بأنـّها تحريف لكلمة محمد مثلما ذكر ذلك مارمول. وهذا ما يطرح إشكالية التسمية.
فحسبما أورده مارمول كلمة حمّامات هي تحريف لكلمة محمد وبذلك يصبح إسم المدينة “محمدة” وهذا ما نجده في جلّ المصادر الأوروبيّة التي ذكرت المدينة. ويمكن أن يكون ذلك التحريف في الواقع محاولة لإعطاء إسم المدينة معنى وهذا المعنى حسب الأوروبيين له ارتباط ديني لوجود حرفي الحاء والميم مكرّران في الإسم العربي للمدينة.
إلاّ أنّ هذا الإسم قد أخذ معنى أسطوري لدى عامّة الناس فانقسم إلى فاعل هو “حمّة” وهو تصغير اسم “محمد” وفعل ” مات”. وبذلك يتحوّل اسم المدينة إلى جملة “حمة مات” وحسب البعض فإن حمّة المعني هنا هو شخص ضمىء ولم يشرب فمات. وحسب البعض الآخر فهر البنـّاء الذي شيّد سور المدينة ولمّا فرغ منه قتل. وفي كلا الحالتين فهذا لا يعدو أن يكون محاولات لتفسير وتبرير الإسم.
أمّ الشاعر الإيطالي Guido Médina والذي عاش في المدينة خلال الثالثينات فقد ألف ديوانا بعنوان مدينة الحمائم La Cité des colombes بمعنى أن المدينة كانت ملجأ للحمام وقد تبعه في هذا الرأي أغلب الذين كتبوا في تاريخ المدينة من المعاصرين.
إلاّ أن هذا الأصل قد لا يصمد أمام الواقع لعدّة أسباب :
السبب الأول وهو لغوي لأنّ جمع كلمة حمامة هو حمائم أو حمام بدون تضعيف. فإن نطق بدون أداة التعريف “الـ” فهو حمامات بدون تضعيف أيضا وهو جمع القلة لكلمة حمامة في حين أن إسم المدينة حمامات أي بتضعيف الميم الأولى.
السبب الثاني يعود إلى انتشار كلمة حمّام في البلاد التونسية عموما، ولو نظرنا إلى المناطق القديمة التي تحمل إسم حمّام مثلا: واد الحمام وهنشير الحمام وعين الحمام وبئر الحمام وديار الحمام.. حسب بحث P.Gaukler حول المياه في العصور القديمة لأحصينا حوالي 17 معلما تحتوي على بقايا حمّام روماني أو على حمام طبيعي هذا، بالإضافة إلى معالم أخرى وقرى تحمل إسم حمام لم يذكرها قوكلار.
ويعود السبب الثالث إلى المعالم الأثرية الموجودة بمنطقة سوق الأبيض أو هنشير الأبيض وهو موقع بوبوت القديمة وبها عديد الحمامات التي لا تزال أحواضها وأفرانها محفوظة على الأقل في الجزء الضئيل الذي وقعت فيه بعض الحفريّات. هذا، بالإضافة إلى وجود صور تعود إلى بداية هذا القرن في شكل بطاقات بريديّة تتضمن صورا عن الحمامات التي كانت موجودة بالمنطقة.
وهذا، يرجح القول بأن أصل التسمية راجع أساسا إلى ما كان موجودا في المدينة من حمامات قديمة (Les thermes)، وقد أطلق العرب هذه التسمية على المدينة انطلاق من الميزة العمرانية التي تتمتّع بها منذ القرن العاشر على الأقل.
وهذه التسمية لم تظهر في نهوص الفتح، ذلك أن أولى التسميات التي كانت رائجة هي : الجزيرة ثم جزيرة شريك العبسي وكذلك بعض المدن مثل نابل وقليبية باعتبار أن هذه الأخيرة كانت من المعاقل المحصنة والتي احتمى بها شتات الروم في أواخر القرن السابع ومنها غادر البلاد من استطاع إلى جزيرة قوصره (Pantallaria) ثم إلى صقلية.
محمدالطاهر المنصوري
من كتاب االوطن القبلي الماضي والحاضر بحوث ودراسات
نشر وزارة الثقافة اللجنة الثقافية الجهوية بنابل 1993, ص من76 إلى78. ص 104 – 107.