تبعية الوطن القبلي لقرطاج البونية
لم تكن للوطن القبلي لدى قرطاج أهمية استراتيجيّة دفاعيّة فحسب،بل كانت له أيضا أهميّة اقتصادية وفلاحيّة جديرة بالملاحظة أشار إليها المؤرّخون القدامى وإن كان حكمهم لا يهم سوى القرنين الرابع والثالث إلاّ أن ازدهار المنطقة كان بدون شك أكثر امتداد من هذه الفترة. ويمكن التذكير هنا بمحتوى القطعين الكلاسيكيين لكل من ديودوروس الصقلي في حديثه عن حملة أغاتوكلاس وبوليبيوس في سياق حديثه عن حملة ريغولوس.
لقد ذكر المصدر الأوّل احتواء الوطن القبلي على كثير من الجنان والبساتين المغروسة عنبا وزيتونا وشتى الأشجار المثمرة الأخرى، إضافة إلى قطعان الأبقار والغنم والخيول. أمّا ما يشدّ الانتباه أكثر فهو ما جاء في المقطع حيث يقول : “تكدس بهذه البقاع الرّخاء المتنوع للمالكين القرطاجنيين السامين” في حين أشار بوليبيوس إلى : “المزارع الكبيرة والرائعة وإلى حجز عدد كبير من الماشية وأسر أكثر من 2000 عبد”.
والسؤال المطروح هنا هو : هل كان هذا الرّخاء حقيقيّا؟ يذكر المؤرخ م. ح فنطر أنّ إزدهار منطقة الوطن القبلي كان متفاوت الأهميّة إلاّ أننا لا نشك بصفة عامة في ازدهاره وإذ بدا لنا في الأمر مبالغة لإعطاء صورة مثالية للمنطقة حسب هذا المؤرخ. وربما كانت الغاية إبراز خصوبة المنطقة وثرائها قياسا لروما وإيطاليا عموما. إلاّ أنّ هذا لا ينفي عن الوطن القبلي تطوّره الفلاحي فمن الثابت أن فلاحة قرطاج كانت متطوّرة جدّا مقارنة بفلاحة الشعوب المتوسطيّة الغربية الأخرى حتى أن روما قامت بترجمة دراسة ماغون حول علم الفلاحة وعملت على تطبيق قواعدها بإيطاليا فلو لم تكن المنطقة على هذا النحو من الثراء والخصوبة لما نزل بها القائدان المذكوران آنفا (آغاتوكلاس وريغولوس) ولما اقتدى الثاني بالأول بعدد 55 سنة. كما لا يجب أن نهمل دافع حوز أوفر الغنائم وهو أم معروف في الحروب القديمة التي يمكن للوطن القبلي أن يوفـّرها بسهولة للشعوب الغازية.
